سورة العنكبوت - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


هذه السورة مكية، قاله جابر وعكرمة والحسن. وقال ابن عباس، وقتادة: مدنية. وقال يحيى بن سلام: مكية إلا من أولها إلى {وليعلمن المنافقين}، ونزل أوائلها في مسلمين بمكة كرهوا الجهاد حين فرض بالمدينة، قاله السدي؛ أو في عمار ونظرائه ممن كان يعذب في الله، قاله ابن عمر؛ أو في مسلمين كان كفار قريش يؤذونهم، قاله مجاهد، وهو قريب مما قبله؛ أو في مهجع مولى عمر، قتل ببدر فجزع أبواه وامرأته عليه، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة»؛ أو في عياش أخي أبي جهل، غدر فارتد.
و {الناس}: فسر بمن نزلت فيه الآية. وقال الحسن: الناس هنا المنافقون، أي أن يتركوا لمجرد قولهم آمنا. وحسب يطلب مفعولين. فقال الحوفي، وابن عطية، وأبو البقاء: سدت أن وما بعدها من معمولها مسد المفعولين، وأجاز الحوفي وأبو البقاء أن يقولوا بدلاً من أن يتركوا. وأن يكونوا في موضع نصب بعد إسقاط الخافض، وقدروه بأن يقولوا ولأن يقولوا. وقال ابن عطية، وأبو البقاء: وإذا قدرت الباء كان حالاً. قال ابن عطية: والمعنى في الباء واللام مختلف، وذلك أنه في الباء كما تقول: تركت زيداً بحاله، وهي في اللام بمعنى من أجل، أي حسبوا أن إيمانهم علة للترك تفسير معنى، إذ تفسير الأعراب حسبانهم أن الترك لأجل تلفظهم بالإيمان. وقال الزمخشري: فإن قلت: فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان؟ قلت: هو في قوله: {أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}، وذلك أن تقديره حسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا، فالترك أول مفعولي حسب، ولقولهم آمنا هو الخبر، وأما غير مفتونين فتتمة للترك، لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير، كقوله:
فتركته جزر السباع ينشنه ***
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول: تركتهم غير مفتونين، لقولهم آمنا، على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام؟ فإن قلت: {أن يقولوا} هو علة تركهم غير مفتونين، فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟ قلت: كما تقول: خروجه لمخافة الشر وضربه للتأديب، وقد كان التأديب والمخافة في قوله: خرجت مخافة الشر وضربته تأديباً، تعليلين. وتقول أيضاً: حسبت خروجه لمخافة الشر وظننت ضربه للتأديب، فتجعلها مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبراً. انتهى، وهو كلام فيه اضطراب.
ذكر أولاً أن تقديره غير مفتونين تتمة، يعني أنه حال، لأنه سبك ذلك من قوله: {وهم لا يفتنون}، وهذه جملة حالية. ثم ذكر {أن يتركوا} هنا من الترك الذي هو من التصيير، وهذا لا يصح، لأن مفعول صير الثاني لا يستقيم أن يكون لقولهم، إذ يصير التقدير أن يصيروا لقولهم: {وهم لا يفتنون}، وهذا كلام لا يصح.
وأما ما مثل به من البيت فإنه يصح، وأن يكون جزر السباع مفعولاً ثانياً لترك بمعنى صير، بخلاف ما قدر في الآية.
وأما تقديره تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا، على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام، فلا يصح؛ إذ كان تركهم بمعنى تصييرهم، كان غير مفتونين حالاً، إذ لا ينعقد من تركهم، بمعنى تصييرهم، وتقولهم مبتدأ وخبر لاحتياج تركهم، بمعنى تصييرهم، إلى مفعول ثان، لأن غير مفتونين عنده حال، لا معفول ثان.
وأما قوله: فإن قلت {أن يقولوا} إلى آخره، فيحتاج إلى فضلة فهم، وذلك أن قوله: {أن يقولوا} هو علة تركهم فليس كذلك، لأنه لو كان علة له لكان متعلقاً، كما يتعلق بالفعل، ولكنه علة للخبر المحذوف الذي هو مستقر، أو كائن، والخبر غير المبتدأ. ولو كان لقولهم علة للترك، لكان من تمامه، فكان يحتاج إلى خبر. وأما قوله: كما تقول خروجه لمخافة الشر، فلمخافة ليس علة للخروج، بل للخبر المحذوف الذي وهو مستقر، أو كائن. {وهم لا يفتنون}، قال الشعبي: الفتنة هنا ما كلفه المؤمنون من الهجرة التي لم يتركوا دونها. وقال الكلبي: هو مثال، {أو يلبسكم شيعاً} وقال مجاهد: يتبتلون في أنفسهم وأموالهم.
و {الذين من قبلهم}: المؤمنون أتباع الأنبياء، أصابهم من المحن ما فرق به المؤمن بالمنشار فرقتين، وتمشط بأمشاط الحديد، ولا يرجع عن دينه. {فليعلمن الله}، بالامتحان، {الذين صدقوا} في إيمانهم، {وليعلمن الكاذبين} فيه من علم المتعدية إلى واحد فيهما، ويستحيل حدوث العلم لله تعالى. فالمعنى: وليتعلقن علمه به موجوداً به كما كان متعلقاً به حين كان معدوماً. والمعنى: وليميزن الصادق منهم من الكاذب، أو عبر بالعلم عن الجزاء، أي وليتبين الصادق وليعذبن الكاذب. ومعنى صدقوا في إيمانهم يطابق قولهم واعتقادهم أفعالهم، والكاذبين ضد ذلك. وقرأ علي، وجعفر بن محمد: فليعلمن، مضارع المنقولة بهمزة التعدي من علم المتعدية إلى واحد، والثاني محذوف، أي منازلهم في الآخرة من ثواب وعقاب؛ أو الأول محذوف، أي فليعلمن الناس الذين صدقوا، أي يشهرهم هؤلاء في الخير، وهؤلاء في الشر، وذلك في الدنيا والآخرة، أو من العلامة فيتعدى إلى واحد، أي يسمهم بعلامة تصلح لهم، كقوله: «من أسر سريرة ألبسه الله رداءها». وقرأ الزهري: الأولى كقراءة الجماعة، والثانية كقراءة علي.
{أم حسب}، قال ابن عطية: أم معادلة للألف في قوله: {أحسب}، وكأنه عز وجل قرر الفريقين: قرر المؤمنين على ظنهم أنهم لا يفتنون، وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات في تعذيب المؤمنين وغير ذلك، على ظنهم أنهم يسبقون نقمات الله ويعجزونه. انتهى. وليست أم هنا معادلة للألف في أحسب، كما ذكر، لأنها إذ ذاك تكون متصلة، ولها شرطان: أحدهما: أن يكون قبلها لفظ همزة الاستفهام، وهذا الشرط هنا موجود.
والثاني: أن يكون بعدها مفرد، أو ما هو في تقدير المفرد. مثال المفرد: أزيد قائم أم عمرو؟ ومثال ما هو في تقدير المفرد: أقام زيد أم قعد؟ وجوابها: تعيين أحد الشيئين، إن كان التعادل بين شيئين؛ أو الأشياء، إن كان بين أكثر من شيئين. وهنا بعد أم جملة، ولا يمكن الجواب هنا بأحد الشيئين، بل أم هنا منقطعة، بمعنى بل التي للإضراب، بمعنى الانتقال من قضية إلى قضية، لا بمعنى الإبطال. وهمزة الاستفهام والاستفهام هنا للتقريع والتوبيخ والإنكار، فلا يقتضي جواباً، لأنه في معنى: كيف وقع حسبان لك؟
و {الذين يعملون السيئات}، قال ابن عباس: يريد الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والأسود، والعاصي بن هشام، وشيبة، وعتبة، والوليد بن عتبة، وعقبة بن أبي معيط، وحنظلة بن أبي سفيان، والعاصي بن وائل، وأنظارهم من صناديد قريش. انتهى. والآية، وإن نزلت على سبب، فهي تعم جميع من يعمل السيئات من كافر ومسلم. وقال مجاهد: {أن يسبقونا}: أي يعجزونا، فلا نقدر على الانتقام، وقيل: أن يعجلونا محتوم القضاء، وقيل: أن يهربوا منا ويفوتونا بأنفسهم. وقال الزمخشري: {أن يسبقونا}: أن يفوتونا، يعني أن الجزاء يلحقهم لا محالة، وهم لم يطمعوا في الفوت، ولم يحدثوا به أنفسهم، ولكنهم لغفلتهم وقلة فكرتهم في العاقبة، وإصرارهم على المعاصي في صورة من يقدم ذلك ويطمع فيه؛ ونظيره: {وما أنتم بمعجزين في الأرض} {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون} فإن قلت: أين مفعولاً حسب؟ قلت: اشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سد مسد المفعولين، كقولهم: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر، وأم منقطعة. ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان الأول، لأن ذلك يقدر أن لا يمتحن لإيمانه، وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه. انتهى.
أمّا قوله: وهو لم يطمعوا في الفوت، إلى آخر قوله: ويطمع فيه، فليس كما ذكر، بل هم معتقدون أن لا بعث ولا جزاء، ولا سيما السرية التي نص عليها ابن عباس، وما ذكره، كما الزمخشري، هو على اعتقاد من يعلم أن الله يجازيه، ولكن طمع في عفو الله. وأما قوله: اشتمال صلة أن، إلى آخره، فقد كان ينبغي أن يقدر ذلك في قوله: {أن يتركوا}، فيجعل ذلك سد مسد المفعولين، ولم يقدر ما لا يصح تقديره، وأمّا قوله: ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر، فتعين إن أن وما بعدها في موضع مفعول واحد، والتضمين ليس بقياس، ولا يصار إليه إلا عند الحاجة إليه، وهذا لا حاجة إليه.
{ساء ما يحكمون}، قال الزمخشري، وابن عطية ما معناه: أن {ما} موصولة و{يحكمون} صلتها، أو تمييز بمعنى شيء، ويحكمون صفة، والمخصوص بالذم محذوف، فالتقدير: أي حكمهم.
انتهى. وفي كون ما موصولة مرفوعة بساء، أو منصوبة على التمييز خلاف مذكور في النحو. وقال ابن كيسان: ما مصدرية، فتقديره: بئس حكمهم. وعلى هذا القول يكون التمييز محذوفاً، أي ساء حكماً حكمهم. وساء هنا بمعنى: بئس، وتقدم حكم بئس إذا اتصل بها ما، والفعل في قوله: {بئسما اشتروا به أنفسهم} مشبعاً في البقرة. وجاء بالمضارع، وهو {يحكمون}، قيل: إشعاراً بأن حكمهم مذموم حالاً واستقبالاً، وقيل: لأجل الفاصلة وقع المضارع موقع الماضي اتساعاً. والظاهر أن {يرجوا} على بابها، ومعنى {لقاء الله}: الوصول إلى عاقبة الأمر من الموت والبعث والجزاء؛ مثلت حاله بحالة عبد قدم على مولاه من سفر بعيد، وقد اطلع مولاه على ما عمل في غيبته عنه، فإن كان عمل خيراً، تلقاه بإحسان أو شراً، فبضد الإحسان.
{فإن أجل الله لآت}: وهو ما أجله وجعل له أجلاً، لا نفسه لا محالة، فليبادر لما يصدق رجاءه. وقال أبو عبيدة: يرجو: يخاف، ويظهر أن جواب الشرط محذوف، أي {من كان يرجوا لقاء الله}، فليبادر بالعمل الصالح الذي يحقق رجاءه، فإن ما أجله الله تعالى من لقاء جزائه لآت. والظاهر أن قوله: {ومن جاهد}، معناه: ومن جاهد نفسه بالصبر على الطاعات، فثمرة جهاده، وهو الثواب المعد له، إنما هو له، لا لله، والله تعالى غني عنه وعن العالمين، وإنما كلفهم ما كلفهم إحساناً إليهم. {لنكفرنّ عنهم سيئاتهم}: يشمل من كان كافراً فآمن وعمل صالحاً، فأسقط عنه عقاب ما كان قبل الإيمان من كفر ومعصية، ومن نشأ مؤمناً عاملاً للصالحات وأساء في بعض أعماله، فكفر عنه ذلك، وكانت سيئاته مغمورة بحسناته. {ولنجزينهم أحسن الذي}: أي أحسن جزاء أعمالهم. وقال ابن عطية: فيه حذف مضاف تقديره: ثواب أحسن الذي كانوا يعملون. انتهى. وهذا التقدير لا يسوغ، لأنه يقتضي أن أولئك يجزون ثواب أحسن أعمالهم، وأما ثواب حسنها فمسكوت عنه، وهم يجزون ثواب الأحسن والحسن، إلاّ إن أخرجت أحسن عن بابها من التفضيل، فيكون بمعنى حسن، فإنه يسوغ ذلك. وأما التقدير الذي قبله فمعناه: أنه مجزي أحسن جزاء العمل، فعمله يقتضي أن تكون الحسنة بمثلها، فجوزي أحسن جزائها، وهي أن جعلت بعشر أمثالها. وفي هذه الآيات تحريك وهزاً لمن تخلف عن الجهرة أن يبادر إلى استدراك ما فرط فيه منها، وثناء على المؤمنين الذين بادروا إلى الهجرة، وتنويه بقدرهم.
{ووصينا الإنسان}، في جامع الترمذي: إنها نزلت في سعد بن أبي وقاص، آلت أمه أن لا يطعم ولا يشرب حتى تموت، أو يكفر. وقيل: في عياش بن أبي ربيعة، أسلم وهاجر مع عمر، وكانت أمه شديدة الحب له، وحلفت على مثل ذلك، فتحيل عليه أبو جهل وأخوه الحارث، فشداه وثاقاً حين خرج معهما من المدينة إلى أمه قصداً ليراها، وجلده كل منهما مائة جلدة، ورداه إلى أمه فقالت: لا يزال في عذاب حتى يكفر بمحمد، في حديث طويل ذكر في السير.
{ووصينا الإنسان بوالديه}: أي أمرناه بتعهدهما ومراعاتهما. وانتصب {حسناً} على أنه مصدر، وصف به مصدر وصينا، أي إيصاء حسناً، أي ذا حسن، أو على سبيل المبالغة، أي هو في ذاته حسن. قال ابن عطية: يحتمل أن ينتصب على المفعول، وفي ذلك تحريض على كونه عاماً لمعان. كما تقول: وصيتك خيراً، وأوصيتك شراً؛ وعبَّر بذلك عن جملة ما قلت له، ويحسن ذلك دون حرف الجر، كون حرف الجر في قوله: {بوالديه}، لأن المعنى: ووصينا الإنسان بالحسن في قوله مع والده، ونظير هذا قول الشاعر:
عجبت من دهماء إذ تشكونا *** ومن أبي دهماء إذ يوصينا
انتهى. مثله قول الحطيئة يوصي ابنته برة:
وصيت من برة قلباً حراً *** بالكلب خيراً والحماة شراً
وعلى هذا التقدير يكون الأصل بخير، وهو المفعول الثاني. والباء في بوالديه وفي بالحماة وبالكلب ظرفية بمعنى في، أي وصينا الإنسان في أمر والديه بخير. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون المفعول الثاني في قوله: {بوالديه}، وينتصب {حسناً} بفعل مضمر تقديره: يحسن حسناً، وينتصب انتصاب المصدر. وفي التحرير: حسناً نصب عند البصريين على التكرير، أي وصيناه حسناً، وقيل: على القطع، تقديره: ووصينا بالحسن، كما تقول: وصيته خيراً، أي بالخير، ويعني بالقطع عن حرف الجر، فانتصب. وقال أهل الكوفة: ووصينا الإنسان أن يفعل حسناً، فيقدر له فعل. انتهى. وفي هذا القول حذف أن وصلتها وإبقاء المعمول، وهو لا يجوز عند البصريين. وقال الزمخشري: وصيناه بايتاء والديه حسناً، أو نائلاً والديه حسناً، أي فعلاً ذا حسن، وما هو في ذاته حسن لفرط حسنه، كقوله: {وقولوا للناس حسناً} انتهى. وهذا التقدير فيه إعمال المصدر محذوفاً وإبقاء معموله، وهو لا يجوز عند البصريين. قال الزمخشري: ويجوز أن يجعل حسناً من باب قولك: زيداً، بإضمار اضرب إذا رأيته متهيأ للضرب، فتنصبه بإضمار أولهما، أو افعل بهما، لأن الوصية بهما دالة عليه، وما بعده مطابق له، فكأنه قال: قلنا أولهما معروفاً. وقرأ عيسى، والجحدري: حسناً، بفتحتين؛ والجمهور: بضم الحاء وإسكان السين، وهما كالبَخَل والبُخْل. وقال أبو الفضل الرازي: وانتصابه بفعل دون التوصية المقدمة، لأنها قد أخذت مفعوليها معاً مطلقاً ومجروراً، فالحسن هنا صفة أقيم مقام الموصوف بمعنى: أمر حسن. انتهى، أي أمراً حسناً، حذف أمراً وأقيم حسن مقامه. وقوله: مطلقاً، عنى به الإنسان، وفيه تسامح، بل هو مفعول به؛ والمطلق إنما هو المصدر، لأنه مفعول لم يقيد من حيث التفسير بأداة جر، بخلاف سائر المفاعيل، فإنك تقول: مفعول به، ومفعول فيه، ومفعول معه، ومفعول له؛ وفي مصحف أبي: إحساناً.
{وإن جاهداك}: أي وقلنا: إن جاهداك {ما ليس لك به علم}: أي بإلهيته، فالمراد بنفي العلم نفي المعلوم، أي {لتشرك} به شيئاً، لا يصح أن يكون إلهاً ولا يستقيم، {فلا تطعهما} فيما جاهداك عليه من الإشراك؛ {إليّ مرجعكم}: شامل للموصي والموصى والمجاهد والمجاهد، {فأنبئكم}: فأجازيكم، {بماكنتم تعملون}: من بر، أو عقوق، أو طاعة، أو عصيان. وكرر تعالى ما رتب للمؤمنين من دخولهم {في الصالحين}، ليحرك النفوس إلى نيل مراتبهم. ومعنى {في الصالحين}: في جملتهم، ومرتبة الصلاح شريفة، أخبر الله بها عن إبراهيم، وسألها سليمان، عليهما السلام، وأخبر تعالى أن يجعل من أطاع الله ورسوله معهم. ويجوز أن يكون التقدير: في ثواب الصالحين، وهي الجنة. ولما ذكر تعالى ما أعده للمؤمنين الخلص، ذكر حال المنافقين ناساً آمنوا بألسنتهم، فإذا آذاهم الكفار، جعلوا ذلك الأذى، وهو فتنة الناس، صارفاً لهم عن الإيمان؛ كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر؛ وكونها نزلت في منافقين، قول ابن زيد. وقال الزجاج: جزع كما يجزع من عذاب الله، وهذا معنى قول مجاهد والضحاك. وقال قتادة: فيمن هاجر، فردهم المشركون إلى مكة. وقيل: في مؤمنين أخرجهم إلى بدر المشركون فارتدوا، وهم الذين قال فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} {ولئن جاء نصر من ربك}: أي للمؤمنين، {ليقولنّ}: أي القائلون أُوذيناً في الله، {إنا معكم}: أي متابعون لكم في دينكم، أو مقاتلون معكم ناصرون لكم، قاسمونا فيما حصل لكم من الغنائم. وهذه الجملة المقسم عليها مظهرة مغالطتهم، إذ لو كان إيمانهم صحيحاً، لصبروا على أذى الكفار، وإن كانت فيمن هاجر، وكانوا يحتالون في أمرهم، وركبوا كل هول في هجرتهم. وقرئ: ليقولن، بفتح اللام، ذكره أبو معاذ النحوي والزمخشري. وأعلم: أفعل تفضيل، أي من أنفسهم؛ وبما في صدورهم: أي بما تكن صدورهم من إيمان ونفاق، وهذا إستفهام معناه التقرير، أي قد علم ما انطوت عليه الضمائر من خير وشر. {وليعلمنّ المنافقين}: ظاهر في أن ما قبل هذه الجملة في المنافقين، كما قال ابن زيد، وعلمه بالمؤمن، وعدله بالثواب، وبالمنافق وعيد له بالعقاب. ولما ذكر حال المؤمنين والمنافقين، ذكر مقالة الكافرين قولاً واعتقاداً، وهم رؤساء قريش. قال مجاهد: كانوا يقولن لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فإن كان عليكم شيء فهو علينا. وقيل: قائل ذلك أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف، قال لعمران: كان في الإقامة على دين الآباء إثم، فنحن نحمله عنك، وقيل: قائل ذلك الوليد بن المغيرة. قال ابن عطية: وقوله: {ولنحمل}، أخبر أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالنقل، لكنهم أخرجوه في صيغة الأمر، لأنها أوجب وأشد تأكيداً في نفس السامع من المجازاة، ومن هذا النوع قول الشاعر:
فقلت ادعى وأدعو فإن أندى *** لصوت أن ينادى داعيان
ولكونه خبراً حسن تكذيبهم فيه. وقال الزمخشري: أمروهم باتباع سبيلهم، وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم، فحمل الأمر على الأمر وأرادوا، ليجتمع هذان الأمران في الحصول، أن يتبعوا سبيلنا وأن نحمل خطاياكم. والمعنى: تعليق الحمل بالاتباع، وهذا قول صناديد قريش، كانوا يقولون لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فإن عسى، كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم. انتهى. وقوله: فإن عسى، كان تركيب أعجمي لا عربي، لأن إن الشرطية لا تدخل على عسى، لأنه فعل جامد، ولا تدخل أدوات الشرط على الفعل الجامد؛ وأيضاً فإن عسى لا يليها كان، واستعمل عسى بغير اسم ولا خبر، ولم يستعملها تامة. وقرأ الحسن، وعيسى، ونوح القارئ: ولنحمل، بكسر لام الأمر؛ ورويت عن علي، وهي لغة الحسن، في لام الأمر. والحمل هنا مجاز، شبه القيام بما يتحصل من عواقب الإثم بالحمل على الظهر، والخطايا بالمحمول. وقال مجاهد: نحمل هنا من الحمالة، لا من الحمل. وقرأ الجمهور: {من خطاياهم}. وقرأ داود بن أبي هند، فيما ذكر أبو الفضل الرازي: من خطيئتهم، على التوحيد، قال: ومعناه الجنس، ودل على ذلك اتصافه بضمير الجماعة. وذكر ابن خالويه، وأبو عمر والداني أن داود هذا قرأ: من خطيآتهم، بجمع خطيئة جمع السلامة، بالألف والتاء. وذكر ابن عطية عنه أنه قرأ: من خطئهم، بفتح الطاء وكسر الياء، وينبغي أن يحمل كسر الياء على أنها همزة سهلت بين بين، فأشبهت الياء، لأن قياس تسهيلها هو ذلك.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف سماهم كاذبين؟ وإنما ضمنوا شيئاً علم الله أنهم لا يقدرون على الوفاء به، ومن ضمن شيئاً لا يقدر على الوفاء به، لا يسمى كاذباً، لا حين ضمن، ولا حين عجز، لأنه في الحالين لا يدخل تحت عد الكاذبين، وهو المخبر عن الشيء، لا على ما هو عليه؟ قلت: شبه الله حالهم، حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به، فكان ضمانهم عنده، لا على ما عليه بالكاذبين الذين خبرهم، لا على ما عليه المخبر عنه. ويجوز أن يريد إنهم كاذبون لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه، كالكاذبين الذين يصدقون الشيء، وفي قلوبهم فيه الخلف. انتهى. وتقدم من قول ابن عطية أن قوله: ولنحمل خبر، يعني أمراً، ومعناه الخبر، وهذان الأمران منزلة الشرط والجزاء، إذ المعنى: أن تتبعوا سبيلنا، ولحقكم في ذلك إثم على ما تزعمون، فنحن نحمل خطاياكم. وإذا كان المعنى على هذا، كان إخباراً في الجزاء بما لا يطابق، وكان كذباً.
{وليحملنّ أثقالهم}: أثقال أنفسهم من كفرهم ومعاصيهم، {واثقالاً} أي أخر، وهي أثقال الذين أغروهم، فكانوا سبباً في كفرهم. ولم يبين من الذين يحملون أثقاله، فأمكن اندراج أثقال المظلوم بحملها للظالم، كما جاء في الحديث: «أنه يقتص من الظالم للمظلوم بأن يعطي من حسنات ظالمه، فإن لم يبق للظالم حسنة أخذ من سيآت المظلوم فطرح عليه» وفي صحيح مسلم ما معناه: أيما داع دعا إلى ضلالة، فأتبع عليها وعمل بها بعده، فعليه أوزار من عمل بها ممن اتبعه، لا ينقص ذلك من أوزاهم شيئاً. {وليسئلنّ يوم القيامة}: أي سؤال توبيخ وتقريع.


ذكر هذه القصة تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كان يلقى من أذى الكفار. فذكر ما لقي أول الرسل، وهو نوح، من أذى قومه، المدد المتطاولة، تسلية لخاتم الرسل صلوات الله عليه. والواو في {ولقد} واو عطف، عطفت جملة على جملة. قال ابن عطية: والقسم فيها بعيد، يعني أن يكون المقسم به قد حذف وبقي حرفه وجوابه، وفيه حذف المجرور وإبقاء حرف الجار، وحرف الجر لا يعلق عن عمله، بل لا بد له من ذكره. والظاهر أنه أقام في قومه هذه المدة المذكورة يدعوهم إلى الله. وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون المدة المذكورة مدة إقامته في قومه، من لدن مولده إلى غرق قومه. انتهى. وليس عندي محتملاً، لأن اللبث متعقب بالفاء الدالة على التعقيب، واختلف في مقدار عمره، حين كان بعث وحين مات، اختلافاً مضطرباً متكاذباً، تركنا حكايته في كتابنا، وهو في كتب التفسير. والاستثناء من الألف استدل به على جواز الاستثناء من العدد، وفي كونه ثابتاً من لسان العرب خلاف مذكور في النحو، وقد عمل الفقهاء المسائل على جواز ذلك، وغاير بين تمييز المستثنى منه وتمييز المستثنى، لأن التكرار في الكلام الواحد مجتنب في البلاغة، إلا إذا كان لغرض من تفخيم، أو تهويل، أو تنويه. ولأن التعبير عن المدة المذكورة بما عبر به، لأن ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكبر منه أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدّة صبره، ولإزالة التوهم الذي يجيء مع قوله: تسعمائة وخمسون عاماً، بأن ذلك على سبيل المبالغة لا التمام، والاستثناء يرفع ذلك التوهم المجازي.
وتقدمت وقعة نوح بأكمل مما هنا، والخلاف في عدد من آمن ودخل السفينة. والضمير في {وجعلناها} يحتمل أن يعود على {السفينة}، وأن يعود على الحادثة والقصة، وأفرد {آية} وجاء بالفاصلة {للعالمين}، لأن إنجاء السفن أمر معهود. فالآية إنجاؤه تعالى أصحاب السفينة وقت الحاجة، ولأنها بقيت أعواماً حتى مر عليها الناس ورأوها، فحصل العلم بها لهم، فناسب ذلك قوله: {للعالمين}، وانتصب {إبراهيم} عطفاً على {نوحاً}. قال ابن عطية: أو على الضمير في {فأنجيناه}. وقال هو والزمخشري: بتقدير اذكروا بدل منه، إذ بدل اشتمال منه، لأن الأحيان تشتمل على ما فيها، وقد تقدّم لنا أن إذ ظرف لا يتطرف، فلا يكون مفعولاً به، وقد كثر تمثيل المعربين، إذ في القرآن بأن العامل فيها اذكر، وإذا كانت ظرفاً لما مضى، فهو لو كان منصرفاً، لم يجز أن يكون معمولاً لأذكر، لأن المستقبل لا يقع في الماضي، لا يجوز ثم أمس، فإن كان خلع من الظرفية الماضية وتصرف فيه، جاز أن يكون مفعولاً به ومعمولاً لأذكر.
وقرأ النخعي، وأبو جعفر، وأبو حنيفة، وإبراهيم: بالرفع، أي: ومن المرسلين إبراهيم. وهذه القصة تمثيل لقريش، وتذكير لحال أبيهم إبراهيم من رفض الأصنام، والدعوى إلى عبادة الله، وكان نمروذ وأهل مدينة عباد أصنام. وقرأ الجمهور: {وتخلقون}، مضارع خلق، {إفكاً}، بكسر الهمزة وسكون الفاء. وقرأ علي، والسلمي، وعون العقيلي، وعبادة، وابن أبي ليلى، وزيد بن علي: بفتح التاء والخاء واللام مشددة. قال ابن مجاهد: رويت عن ابن الزبير، أصله: تتخلقون، بتاءين، فحذفت إحداهما على الخلاف الذي في المحذوفة. وقرأ زيد بن علي أيضاً، فيما ذكر الأهوازي: تخلقون، من خلق المشدد. وقرأ ابن الزبير، وفضيل بن زرقان: أفكاً، بفتح الهمزة وكسر الفاء، وهو مصدر مثل الكذب. قال ابن عباس: {وتخلقون إفكاً}، هو نحت الأصنام وخلقها، سماها إفكاً توسعاً من حيث يفترون بها الإفك في أنها آلهة. وقال مجاهد: هو اختلاق الكذب في أمر الأوثان وغير ذلك. وقال الزمخشري: إفكاً فيه وجهان: أحدهما: أن تكون مصدراً نحو: كذب ولعب، والإفك مخفف منه، كالكذب واللعب من أصلهما، وأن تكون صفة على فعل، أي خلقا إفكاً، ذا إفك وباطل، واختلافهم الإفك تسمية الأوثان آلهة وشركاء لله وشفعاء إليه، أو سمي الأصنام إفكاً، وعملهم لها ونحتهم خلقاً للإفك. انتهى.
وهذا الترديد منه في نحو: {وتخلقون إفكاً}، قولان لابن عباس ومجاهد، وقد تقدم لنا نقلهما عنهما ونفيهم بقوله: {لا يملكون لكم رزقاً} على جهة الاحتجاج بأمر يفهمه عامّتهم وخاصتهم، فقرر أن الأصنام لا ترزق، والرزق يحتمل أن يريد به المصدر: لا يملكون أن يرزقوكم شيئاً من الرزق، واحتمل أن يكون اسم المرزوق، أي لا يملكون لكم إيتاء رزق ولا تحصيله، وخص الرزق لمكانته من الخلق. ثم أمرهم بابتغاء الرزق ممن هو يملكه ويؤتيه، وذكر الرزق لأن المقصود أنهم لا يقدرون على شيء منه، وعرفه بعد لدلالته على العموم، لأنه تعالى عنده الأرزاق كلها. {واشكروا له} على نعمة السابغة من الرزق وغيره. {وإليه ترجعون}: أي إلى جزائه، أخبر بالمعاد والحشر. ثم قال: {وإن تكذبوا}: أي ليس هذا مبتكراً منكم، وقد سبق ذلك من أمم الرسل، قيل: قوم شيث وإدريس وغيرهم. وروي أن إدريس عليه السلام عاش في قومه ألف سنة، فآمن به ألف إنسان على عدد سنيه، وباقيهم على التكذيب. {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}: تقدم الكلام على مثل هذه الجملة. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر، بخلاف عنه: تروا، بتاء الخطاب؛ وباقي السبعة: بالياء. والجمهور: يبدئ، مضارع أبدأ؛ والزبير. وعيسى، وأبو عمرو: بخلاف عنه: يبدأ، مضارع بدأ. وقرأ الزهري: {كيف بدأ الخلق}، بتخفيف الهمزة بإبدالها ألفاً، فذهبت في الوصل، وهو تخفيف غير قياسي، كما قال الشاعر:
فارعى فزارة لا هناك المرتع...
وقياس تخفيف هذا التسهيل بين بين، وتقريرهم على رؤية بدء الخلق في قوله: {أو لم يروا}، وفي: {فانظروا كيف بدأ الخلق}، إنما هو لمشاهدتهم إحياء الأرض بالنبات، وإخراج أشياء من العدم إلى الوجود، وقوله: {ثم يعيده}، وقوله: {ثم الله ينشئ}، ليس داخلاً تحت الرؤية ولا تحت النظر، فليس {ثم يعيده} معطوفاً على يبدئ، ولا {ثم ينشئ} داخلاً تحت كيفية النظر في البدء، بل هما جملتان مستأنفتان، إخباراً من الله تعالى بالإعادة بعد الموت. وقدم ما قبل هاتين الجملتين على سبيل الدلالة على إمكان ذلك، فإذا أمكن ذلك وأخبر الصادق بوقوعه، صار واجباً مقطوعاً بعلمة، ولا شك فيه. وقال قتادة: {أو لم يروا}، بالدلائل والنظر كيف يجوز أن يعيد الله الأجسام بعد الموت؟ وقال الربيع بن أنس المعنى: كيف يبدأ خلق الإنسان ثم يعيده إلى أحوال أخر، حتى إلى التراب؟ وقال مقاتل: الخلق هنا الليل والنهار. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: النشاءة هنا، وفي النجم والواقعة على وزن فعالة؛ وباقي السبعة: النشأة، على وزن فعلة، وهما كالرآفة والرأفة، وهما لغتان، والقصر أشهر، وانتصابه على المصدر، إما على غير المصدر قام مقام الإنشاء، وإما على إضمار فعله، أي فتنشئون النشأة.
وفي الآية الأولى صرح باسمه تعالى في قوله: {كيف يبدئ الله الخلق}، ثم أضمر في قوله {ثم يعيده}، وهنا عكس أضمر في بدا، ثم أبرزه في قوله: {ثم الله ينشئ}، حتى لا تخلو الجملتان من صريح اسمه. ودل إبرازه هنا على تفخيم النشأة الآخرة وتعظيم أمرها وتقرير وجودها، إذ كان نزاع الكفار فيها، فكأنه قيل: ثم ذلك الذي بدأ الخلق هو الذي {ينشئ النشأة الآخرة}، فكان التصريح باسمه أفخم في إسناد النشأة إليه. والآخرة صفة للنشأة، فهما نشأتان: نشأة اختراع من العدم، ونشأة إعادة. ثم ذكر الصفة التي النشأة هي بعض مقدوراتها. ثم أخبر بأنه {يعذب من يشاء}، أي تعذيبه، {ويرحم من يشاء} رحمته، وبدأ بالعذاب، لأن الكلام هو مع الكفار مكذبي الرسل. {وإليه تقلبون}: أي تردون. وقال الزمخشري: ومتعلق المشيئتين مفسر مبين في مواضع من القرآن، وهو يستوجبهما من الكافر والفاسق إذا لم يتوبا، ومن المعصوم والتائب. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. {وما أنتم بمعجزين}: أي فائتين ما أراد الله لكم. {في الأرض ولا في السماء}، إن حمل السماء على العلو فجائز، أي في البروج والقلاع الذاهبة في العلو، ويكون تخصيصاً بعد تعميم، أو على المظلة، فيحتاج إلى تقرير، أي لو صرتم فيها، ونظيره قول الأعشى:
ولو كنت في جب ثمانين قامة *** ورقيت أسباب السماء بسلم
ليعتورنك القول حتى تهزه *** وتعلم أني فيك لست بمجرم
وقوله تعالى: {إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض} على تقدير الحكم لو كنتم فيها،
{والأرض فانفذوا} وقال ابن زيد، والفراء: التقدير: ولا من في السماء، أي يعجز إن عصى. وقال الفراء: وهذا من غوامض العربية، وأنشد قول حسان:
فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء
أي: ومن ينصره، وهذا عند البصريين لا يكون إلا في الشعر، لأن فيه حذف الموصول وإبقاء صلته. وأبعد من هذا القول قول من زعم أن التقدير: وما أنتم بمعجزين من في الأرض من الإنس والجنّ، ولا من في السماء من الملائكة، فكيف تعجزون الله؟ وقرأ الجمهور: {يئسوا}، بالهمز؛ والذماري، وأبو جعفر: بغير همز، بل بياء بدل الهمزة، وهو وعيد، أي ييأسون يوم القيامة. وقيل: {من رحمتي}. وقيل: من ديني، فلا أهديهم. وقيل: هو وصف بحالهم، لأن المؤمن يكون دائماً راجياً خائفاً، والكافر لا يخطر بباله ذلك. شبه حالهم في انتفاء رحمته عنهم بحال من يئس من الرحمة. والظاهر أن قول: {وإن تكذبوا}، من كلام الله، حكاية عن إبراهيم، إلى قوله: {عذاب أليم}. وقيل: هذه الآيات اعتراض من كلام الله بين كلام إبراهيم والإخبار عن جواب قومه، أي وإن تكذبوا محمداً، فتقدير هذه الجملة اعتراضاً يردّ على أبي علي الفارسي، حيث زعم أن الأعتراض لا يكون جملتين فأكثر، وفائدة هذا الاعتراض أنه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان قد ابتلي بمثل ما كان أبوه إبراهيم قد ابتلي، من شرك قومه وعبادتهم الأوثان وتكذيبهم إياه ومحاولتهم قتله. وجاءت الآيات بعد الجملة الشرطية مقررة لما جاء به الرسول من توحيد الله ودلائله وذكر آثار قدرته والمعاد.


لما أمرهم بعبادة الله، وبين سفههم في عبادة الأوثان، وظهرت حجته عليهم، رجعوا إلى الغلبة، فجعلوا القائم مقام جوابه فيما أمرهم به قولهم: {اقتلوه أو حرّقوه}. والآمرون بذلك، إما بعضهم لبعض، أو كبراؤهم قالوا لأتباعهم: اقتلوه، فتستريحوا منه عاجلاً، أو حرّقوه بالنار؛ فإما أن يرجع إلى دينكم، إذا أمضته النار؛ وإما أن يموت بها، إن أصر على قوله ودينه. وفي الكلام حذف، أي حرّقوه في النار، {فأنجاه الله من النار}. وتقدمت قصته في تحريقه في سورة {اقترب للناس حسابهم} وجمع هنا فقال: الآيات، لأن الإنجاء من النار، وجعلها برداً وسلاماً، وأنها في الحبل الذي كانوا أوثقوه به دون الجسم، وإن صح ما نقل من أن مكانها، حالة الرمي، صار بستاناً يانعاً، هو مجموع آيات، فناسب الجمع، بخلاف الإنجاء من السفينة، فإنه آية واحدة، وتقدم الكلام على ذلك، وفي ذلك إشارة من النار بعد إلقائه؛ فيما قال كعب: لم يحترق بالنار إلا الحبل الذي أوثقوه به. وجاء هنا الترديد بين قتله وإحراقه، فقد يكون ذلك من قائلين: ناس أشاروا بالقتل، وناس أشاروا بالإحراق. وفي اقترب قالوا: {حرقوه} اقتصروا على أحد الشيئين، وهو الذي فعلوه، رموه في النار ولم يقتلوه.
وقرأ الجمهور: {جواب}، بالنصب؛ والحسن، وسالم الأفطس: بالرفع، اسماً لكان. وقرأ الحسن، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وأبو عمرو في رواية الأصمعي، والأعمش عن أبي بكر: مودة بالرفع، وبينكم بالنصب. فالرفع على خبر إن، وما موصولة بمعنى الذي، أي إن الأوثان التي اتخذتموها مودوداً، أو سبب مودة، أو مصدرية، أي إن اتخاذكم أوثاناً مودة، أو على خبر مبتدأ محذوف، أي هي مودة بينكم، وما إذ ذاك مهيئة. وروي عن عاصم: مودة، بالرفع من غير تنوين؛ وبينكم بالفتح، أي بفتح النون، جعله مبنياً لإضافته إلى مبني، وهو موضع خفض بالإضافة، ولذلك سقط التنوين من مودة. وقرأ أبو عمرو، والكسائي، وابن كثير: كذلك، إلا أنه خفض نون بينكم. وقرأ ابن عامر، وعاصم: بنصب مودة منوناً ونصب بينكم؛ وحمزة كذلك، إلا أنه أضاف مودة إلى بينكم وخفض، كما في قراءة من نصب مودّة مهيئة. واتخذ، يحتمل أن يكون مما تعدت إلى اثنين، والثاني هو مودة، أي اتخذتم الأوثان بسبب المودة بينكم، على حذف المضاف، أو اتخذتموها مودّة بينكم، كقوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله} أو مما تعدت إلى واحد، وانتصب مودة على أنه مفعول له، أي ليتوادوا ويتواصلوا ويجتمعوا على عبادتها، كما يجتمع ناس على مذهب، فيقع التحاب بينهم. وذكروا عن ابن مسعود قراءة شاذة تخالف سواد المصحف، مع أنه قد روي عنه ما في سواد المصحف بالنقل الصحيح المستفيض، فلذلك لم أذكر تلك القراءة.
{ثم يوم القيامة} يقع بينكم التلاعن، أي فيلاعن العبدة والمعبودات الأصنام، كقوله: و{يكونون عليهم ضداً} و{بينكم}، و{في الحياة}: يجوز تعليقهما بلفظ مودة وعمل في ظرفين لاختلافهما، إذ هما ظرفا مكان وزمان، ويجوز أن يتعلقا بمحذوفين، فيكونان في موضع الصفة، أي كائنة بينكم في الحياة في موضع الحال من الضمير المستكن في بينكم. وأجاز أبو البقاء أن يتعلق {في الحياة}. باتخذتم على جعل ما كافة ونصب مودة، لا على جعل ما موصولة بمعنى الذي، أو مصدرية ورفع موده، لئلا يؤدي إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة بالخبر. وأجاز قوم منهم ابن عطية أن يتعلق {في الحياة} بمودة، وأن يكون {بينكم} صفة لمودة، وهو لا يجوز، لأن المصدر إذا وصف قبل أخذ متعلقاته لا يعمل، وشبهتهم في هذا أنه يتسع في الظرف، بخلاف المفعول به. وأجاز أبو البقاء أن يتعلق بنفس بينكم، قال: لأن معناه: اجتماعكم أو وصلكم. وأجاز أيضاً أن يجعله حالاً من بينكم، قال: لتعرفه بالإضافة. انتهى، وهما إعرابان لا يتعقلان.
{فآمن له لوط}: لم يؤمن بإبراهيم أحد من قومه إلا لوط عليه السلام، حين رأى النار لم تحرقه، وكان ابن أخي سارة، أو كانت بنت عمه. والضمير في {وقال} عائد على إبراهيم، وهو الظاهر، ليتناسق مع قوله: {ووهبنا له إسحاق}، وهو قول قتادة والنخعي. وقالت فرقة: يعود على لوط، وهاجر، وإبراهيم، عليهم السلام، من قريتهما كوثى، وهي في سواد العراق، من أرض بابل، إلى فلسطين من أرض الشأم. وكان إبراهيم ابن خمس وسبعين سنة، وهو أول من هاجر في الله. وقال ابن جريج: هاجر إلى حران، ثم إلى الشام، وفي هجرته هذه كانت معه سارة. والمهاجر: الفارغ عن الشيء، وهو في عرف الشريعة: من ترك وطنه رغبة في رضا الله. وعرف بهذا الاسم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، المهاجرون، قبل فتح مكة. {إلى ربي}، أي إلى الجهة التي أمرني ربي بالهجرة إليها. وقيل: إلى حيث لا أمنع عبادة ربي. وقيل: مهاجراً من خالفني من قومي، متقرباً إلى ربي. ونزل إبراهيم قرية من أرض فلسطين، وترك لوطاً في سدوم، وهي المؤتفكة، على مسيرة يوم وليلة من قرية إبراهيم عليهما السلام. {أنه هو العزيز} الذي لا يذل من عبده، {الحكيم} الذي يضع الأشياء مواضعها. والضمير في {ذريته} عائد على إبراهيم. {النبوة}: إسحاق، ويعقوب، وأنبياء بني إسرائيل، وإسماعيل، ومحمد خاتمهم، صلى الله وسلم عليهم أجمعين. {والكتاب}: اسم جنس يدخل فيه التوراة، والزبور، والإنجيل، والفرقان.
{وآتيناه أجره في الدنيا}: أي في حياته قال مجاهد: نجاته من النار، ومن الملك الجبار، والعمل الصالح: والثناء الحسن، بحيث يتولاه كل أمة وقال ابن جريج: والولد الذي قرت به عينه، قاله الحسن.
وقال السدي: إنه رأى مكانه من الجنة. وقال ابن أبي بردة: ما وفق له من عمل الآخرة. وقال الماوردي: بقاء ضيافته عند قبره، وليس ذلك لنبي غيره. وقيل: النبوة والحكمة. وقيل: الصلاة عليه إلى آخر الدهر. وانتصب لوطاً بإضمار اذكر، أو بالعطف على إبراهيم، أو بالعطف على ما عطف عليه إبراهيم. والجمهور: على الاستفهام في أئنكم معاً. وقرئ: أنكم على الخبر، والثاني على الاستفهام. وقال أبو عبيد: وجدته في الإمام بحرف واحد بغير ياء، ورأيت الثاني بحرفين، الياء والنون. ولم يأت في قصة لوط أنه دعا قومه إلى عبادة الله، كما جاء في قصة إبراهيم وقصة شعيب، لأن لوطاً كان من قوم إبراهيم وفي زمانه، وسبقه إبراهيم إلى الدعاء لعبادة الله وتوحيده، واشتهر أمره بذلك عند الخلق، فذكر لوط ما اختص به من المنع من الفحشاء وغيرها. وأما أبراهيم وشعيب فجاءا بعد انقراض من كان يعبد الله، فلذلك دعوا إلى عبادة الله.
قال الزمخشري: {ما سبقكم بها} جملة مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة، كأن قائلاً قال: لم كانت فاحشة؟ فقيل: لأن أحداً قبلهم لم يقدم عليها اشمئزازاً منها في طباعهم لإفراط قبحها، حتى قدم عليها قوم لوط لخبث طينتهم، قالوا: لم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط. انتهى. ويظهر أن {ما سبقكم بها} جملة حالية، كأنه قال: أتأتون الفاحشة مبتدعين لها غير مسبوقين بها؟ واستفهم أولاً وثانياً استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع، وبين ما تلك الفاحشة المبهمة في قوله: {إنكم لتأتون الفاحشة}، وإن كانت معينة أنها إتيان الذكور في الأدبار بقوله: {ما سبقكم بها}، فقال: {أئنكم لتأتون الرجال}: يعني في الأدبار، {وتقطعون السبيل}: الولد، بتعطيل الفرج ووطء أدبار الرجال، أو بإمساك الغرباء لذلك الفعل حتى انقطعت الطرق، أو بالقتل وأخذ المال، أو بقبح الأحدوثة حتى تنقطع سبل الناس في التجارات. {وتأتون في ناديكم}: أي في مجلسكم الذي تجتمعون فيه، وهو اسم جنس، إذ أنديتهم في مدائنهم كثيرة، ولا يسمى نادياً إلاّ ما دام فيه أهله، فإذا قاموا عنه، لم يطلق عليه ناد إلاّ مجازاً.
و {المنكر}: ما تنكره العقول والشرائع والمروءات، حذف الناس بالحصباء، والاستخفاف بالغريب الخاطر، وروت أم هانئ، عن النبي صلى الله عليه وسلم. أو إتيان الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضاً، قاله منصور ومجاهد والقاسم بن محمد وقتادة بن زيد؛ أو تضارطهم؛ أو تصافعهم فيها، قاله ابن عباس؛ أو لعب الحمام؛ أو تطريف الأصابع بالحناء، والصفير، والحذف، ونبذ الحياء في جميع أمورهم، قاله مجاهد أيضاً، أو الحذف بالحصى، والرمي بالبنادق، والفرقعة، ومضغ العلك، والسواك بين الناس، وحل الأزرار، والسباب، والفحش في المزاح، قاله ابن عباس أيضاً مع شركهم بالله. كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة، تظالم فيما بينهم، وبشاعة، ومضاريط في مجالسهم، وحذف، ولعب بالنرد والشطرنج، ولبس المصبغات، ولباس النساء للرجال، والمكوس على كل عابر؛ وهم أول من لاط ومن ساحق.
ولما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح، أصروا على اللجاج في التكذيب، فكان جوابهم له: {أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين}، فيما تعدنا به من نزول العذاب، قالوا ذلك وهم مصممون على اعتقاد كذبه فيما وعدهم به. وفي آية أخرى: {إلاّ أن قالوا أخرجوا آل لوط}، الجمع بينهما أنهم أولاً قالوا: {ائتنا بعذاب الله}، ثم أنه كثر منه الإنكار، وتكرر ذلك منه نهياً ووعظاً ووعيداً، {قالوا أخرجوا آل لوط}. ولما كان إنما يأمرهم بترك الفواحش وما كانوا يصنعونه من قبيح المعاصي، ويعد على ذلك بالعذاب، وكانوا يقولون إن الله لم يحرم هذا ولا يعذب عليه وهو يقول إن الله حرمه ويعذب عليه، {قالوا ائتنا بعذاب الله}، فكانوا ألطف في الجواب من قوم إبراهيم بقولهم: {اقتلوه أو حرّقوه}، لأنه كان لا يذم آلهتهم، وعهد إلى أصنامهم فكسرها، فكان فعله هذا معهم أعظم من قول لوط لقومه، فكان جوابهم له: {أن قالوا اقتلوه أو حرقوه}.
ثم استنصر لوط عليه السلام، فبعث ملائكة لعذابهم، ورجمهم بالحاصب، وإفسادهم بحمل الناس على ما كانوا عليه من المعاصي طوعاً وكرهاً، وخصوصاً تلك المعصية المبتدعة. {بالبشرى}: هي بشارته بولده إسحاق، وبنافلته يعقوب، وبنصر لوط على قومه وإهلاكهم، و{القرية}: سدوم، وفيها قيل: أَجْوَر من قاضي سدوم. {كانوا ظالمين}: أي قد سبق منهم الظلم. واستمر على الأيام السالفة وهم مصرون، وظلمهم: كفرهم وأنواع معاصيهم. ولما ذكروا لإبراهيم: {إنا مهلكوا أهل هذه القرية}، أشفق على لوط فقال: {إن فيها لوطاً}. ولما عللوا الإهلاك بالظلم، قال لهم: فيها من هو بريء من الظلم، {قالوا نحن أعلم بمن فيها}: أي منك، وأخبر بحاله. ثم أخبروه بإنجائهم إياه {وأهله إلاّ امرأته}. وقرأ حمزة، والكسائي: {لننجينه}، مضارع أنجى؛ وباقي السبعة: مضارع نجى؛ والجمهور: بشد النون؛ وفرقة: بتخفيفها.
{ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً}: تقدم الكلام على مثل هذه الجملة، إلاّ أن هنا زيدت، أن بعد لما، وهو قياس مطرد. وقال الزمخشري أن صلة أكدت وجود الفعلين مترتباً أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصل بينهما، كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان، كأنه قيل: لما أحس بمجيئهم، فاجأت المساءة من غير وقت خيفة عليهم من قومه. انتهى. وهذا الذي ذكره في الترتيب هو مذهب سيبويه، إذ مذهبه. أن لما: حرف لا ظرف، خلافاً للفارسي، وهذا مذكور في علم النحو. وقرأ العربيان، ونافع، وحفص: {منجوك}، مشدداً؛ وباقي السبعة: مخففاً، والكاف في مذهب سيبويه في موضع جر.
{وأهلك}: منصوب على إضمار فعل، أي وننجي أهلك. ومن راعى هذا الموضع، عطفه على موضع الكاف، والكاف على مذهب الأخفش وهشام في موضع نصب، وأهلك معطوف عليه، لأن هذه النون كالتنوين، وهما على مذهبهما يحذفان للطافة الضمير وشدة طلبه الاتصال بما قبله. وقرأ الجمهور: سيء، بكسر السين؛ وضمها نافع وابن عامر والكسائي. وقرأ عيسى، وطلحة: سوء، بضمها، وهي لغة بني هذيل. وبني وبير يقولون في قيل وبيع ونحوهما: قول وبوع. وقرئ: منزلون، مخففاً ومشدداً؛ وابن محيصن: رجزاً، بضم الراء؛ وأبو حيوة والأعمش: بكسر سين يفسقون. والظاهر أن الضمير في منها عائد على القرية، فقال ابن عباس: منازلهم الخربة. وحكى أبو سليمان الدمشقي أن الآية في قريتهم، إلا أن أساسها أعلاها، وسقوفها أسفلها إلى الآن. وقال الفراء: المعنى تركناها آية، يقول: إن في السماء لآية، يريد أنها آية. انتهى، وهذا لا يتجه إلا على زيادة من في الواجب، نحو قوله: أمهرت منها جبة وتيساً، يريد: أمهرتها؛ وكذلك: ولقد تركناها آية، وقيل: الهاء في منها عائدة على الفعلة التي فعلت بهم، فقيل: الآية: الحجارة التي أدركتها أوائل هذه الأمة، قاله قتادة؛ وقيل: الماء الاسود على وجه الأرض، قاله مجاهد؛ وقيل: أنجز ما صنع بهم. و{لقوم}: متعلق بتركنا، أو بينة.

1 | 2